هاهو الهلال قد بزغ والليل قد أسدل ستاره ليعلن عن دخول زمان فاضل، وليالٍ عظيمات، المآذن تصدح بآيات مرتلات.. والجموع قد صفت أرجلها واقفة بين يدي رب البريات..
ذاك الهلال والليل.. وتيك المآذن والجموع وقفت جميعاً تنادي: هذا رمضان قد أطل..
هذا رمضان قد أطل.. يريد القلوب المؤمنة، القلوب الصادقة، ليغدق عليها من دفءٍ منحه إياه ربٌّ كريمٌ ودود..
فهل يا ترى قلبك منها؟
قف الآن مفتشاً عن قلبك.. أين هو في السير إلى الله والإقبال عليه؟
هل امتلأ حباً، وشوقاً، وتعظيماً، وخشيةً، وإنابة؟
هل هو مسارعٌ إلى الخيراتِ مبادر إلى الطاعات؟
أم هو في غياهب الظلمات أسير.. ليس يبصر سوى ملذاتٍ عما قليلٍ ذاهبات؟
مهلاً أيا أخي ! مهلاً !
لا تذرف دموع الإياس..
و تزفر آهات القنوط..
لازال هناك أمل.. لازال هناك متسع.. فرحمة ربك وسعت كل شيء.. قال سبحانه: (ورحمتي وسعت كل شيء)..
أقبل على ربك.. انطرح بين يديه.. سله قلباً مؤمناً، قلباً صالحاً تقياً..
ثم ابذل كل ما بوسعك لإصلاحه، والسير به نحو مرضاة الله، نحو محبته والشوق إليه، والاغتناء به، والانكسار له..
وإليك وسائلُ نيــل ذلك:
الوسيلة الأولى: قراءة القرآن الكريم: فـ"ـما قرأ عبد الآيات حاضر القلب متفكراً متأملاً، إلا وجدت العين تدمع والقلب يخشع، والنفس تتوهج إيماناً، تريد المسير إلى الله، وإذا بأرض القلب تنقلب خصبةً طريةً قد اقشعر جلده وقلبه من خشية الله تعالى: ( كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء، ومن يضلل الله فما له من هاد) ، (الشيخ محمد المختار الشنقيطي).
الوسيلة الثانية: محبة الله تعالى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحبَ إليه مما سواهما)، قال ابن تيمية رحمه الله: (فالمحبة أعظم واجبات الدين، وأكثر أصوله، وأجلّ قواعده، بل هي أصل كل عمل من أعمال الإيمان والدين)، ولتحصيل هذه المحبة عليك بأداء الفرائض والنوافل، قال الله تعالى في الحديث القدسي: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه).
الوسيلة الثالثة: ذكر الله تعالى، قال الله تعالى: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مثَلُ الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثلُ الحي والميت).
الوسيلة الرابعة: الدعاء، فأكثر من سؤال الله تعالى إصلاح قلبك وتطييبه، وتحيَّن له أشرف الأوقات، فإنه من أشرف الحاجات.. وكم كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو باللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، وأيضاً كان من دعائه: اللهم يا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك.
الوسيلة الخامسة: التوبة النصوح والاستغفار، فإن الذنوب إذا تراكمت أكسبت القلب راناً يحجب عنه الخير، فتصيبه القسوة.. ويكفينا قدوة في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهاهو يقول: (يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب في اليوم مائة مرة).
قال ابن المبارك رحمه الله:
رأيت الذنوب تميت القلـوب … وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب … وخـير لنفسك عصيـــانها
الوسيلة السادسة: كثرة ذكر الآخرة، فإنها تملأ قلبك زهداً في الدنيا، وتستحثك للإكثار من الصالحات والتزود منها ليوم الرحيل.. قال صلى الله عليه وسلم: (أكثروا ذكر هادم اللذات)..
ستنـــدم إن رحلت بغير زاد ... وتشقى إذ يناديك المنادي
أترضى أن تكون رفــيق قوم ... لهم زاد وأنت بغير زاد ؟!
الوسيلة السابعة: القراءة في حال النبي صلى الله عليه وسلم مع ربه، وفي سير الصحابة والسلف الصالح، فإنها تبعث فيك الهمَّة والعزيمة والقوة لنهج طريقهم والسير حذو خطاهم.. يقول سبحانه مواسياً رسوله محمد صلى الله عليه وسلم: (وكلا نقص عليك من أنباء الرسل مانثبت به فؤادك)..
الوسيلة الثامنة: مصاحبة الصالحين.. فإنهم لا لا يفتؤون يذكرونك بالله تعالى، وبفقرك إليه، وهم خير أنيسٍ لكِ في طريق الغربة،
قال الله تعالى مخاطباً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا).. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)..
أختي
قد أجبت نداء الهوى مراتٍ ومرات..
وهاهو نداء الفطرة والإيمان قد بُحَّ صوته..
فهلا أجبته؟
فوالله إنك إن تُجِبْ تفلح!